أدركت صباح هذا اليوم ، وأنا أعبُّ الهواء ، كم فطمت عن جبلي طوال تلك السنين ، وكم أرغب بأن ألقى فيه عناية أمومية .
فقد خُصصت لي غرفة تطل على الوادي ، وفيها طاولة صغيرة قرب النافذة ، حيثما أجيل بصري ، لا أرى سوى أشجار الصنوبر البري ، وأتنشق النسيم الذي يداعبها ، وأود أن أبقى في هذا المكان حتى نهاية الأزمنة . أقرأ ، وأكتب ، وأسرح بخيالي ين قمم الجبال المكوَّرة وسعة البحر .
.
.
في رأسي صوت يهمس لي باستمرار بأنني سأشعر قريباً بالملل ، وبأن جسارتي ستأمرني غداً بالرحيل كما تأمرني اليوم بالبقاء ، وبأنه سيتملكني حينها إلحاح الهروب كما يتملكني اليوم إلحاح الانغماس.
ولكن يجدر بي أن أطلب من عراقتي الباطنية التزام الصمت!.
.
.
لعلِّي أجمِّل الأمور ، فلم أعد أذكر التفاصيل؛ إلا أني أّذكر المشاعر التي اجتاحتني ، والمذاق الذي خلفته لدي تلك الحادثة ، لا مرارة على الإطلاق! فالرحيل عن الوطن هو سُنة الحياة ، وأحياناً تفرضه الأحداث؛ وإلا فيجب أن نخترع له عذراً ، لقد ولدت على كوكب ، لا في بلد ، أجل بالطبع!، ولدتُ أيضاً في بلد!، في مدينة!، في طائفة !، في أسرة!، في حضانة!، في فراش .....! ولكن المهم عندي وعند جميع البشر على السواء ، أنني جئت إلى هذا العالم .
إلى هذا العالم !فالولادة هي المجيء إلى العالم ، لا إلى هذا البلد أو ذاك ، لا إلى هذا البيت أو ذاك . وهذا الأمر لم يستطع خالد أن يفهمه أبداً . كان على استعداد للتسليم بأن على المرء الابتعاد لبعض الوقت عن بلدهِ الأم بحثاً عن الأمان حيث تستعر الحرب. أما أن يرغب بالعيش سنة تلو الأخرى في بلد غريب ، متخفياً في حاضرة مترامية الأطراف ، فلم يكن ذلك بالنسبة إليه تخلياً عن الأرض فحسب بل إهانة للأجداد ، وتشويهاً للروح نوعاً ما .
لم أكن عن متابعة كل ما يجري في البلد عن كثب ، إلا أني أقلعت نهائياً عن التفكير في العودة غليه، لم أكن أقول أبداً :((لن أعود إليه))؛ بل كنت أقول :((فيما بعد))،((ليس هذا الصيف ))،((ربما السنة القادمة)) ، وفي أعماقي ، كنت أعلِّل النفس؛ بشيء من الخيلاء ، بألا أعود للإستقرار في البلد إلا حين يعود كما عهدته من قبل ، كنت أدري أن هذا الأمر مستحيل ، ولكن هذا الشرط لم يكن قابلاً للمساومة ، ولا يزال كذلك .
.
.
وأدرك أصدقائي مع مرور الوقت بأني لن أعود . وكتب لي بعضهم ، منهم لاستصواب قراري، ومنهم لأسماعي المواعظ .
...
.
.
.
.اللهمّ الطفْ بهم وجنّبهم الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن ، وصُنْ دماء أهلهم ، وأنعمْ عليهم بأمنِك وأمانِك .
.
اللحظةُ للحظة، والذكرى للذكرى؛ لِتنال اللحظةُ حقِّها ، وتُعطى الذكرى حَجْمَها ... يتبع ^^
-ملحوظة :
(خالد) .. اتخذته اسماً فقط ، هو ليس شخصاً معيناً ..
دَوحُ الجَنّة ~
فقد خُصصت لي غرفة تطل على الوادي ، وفيها طاولة صغيرة قرب النافذة ، حيثما أجيل بصري ، لا أرى سوى أشجار الصنوبر البري ، وأتنشق النسيم الذي يداعبها ، وأود أن أبقى في هذا المكان حتى نهاية الأزمنة . أقرأ ، وأكتب ، وأسرح بخيالي ين قمم الجبال المكوَّرة وسعة البحر .
.
.
في رأسي صوت يهمس لي باستمرار بأنني سأشعر قريباً بالملل ، وبأن جسارتي ستأمرني غداً بالرحيل كما تأمرني اليوم بالبقاء ، وبأنه سيتملكني حينها إلحاح الهروب كما يتملكني اليوم إلحاح الانغماس.
ولكن يجدر بي أن أطلب من عراقتي الباطنية التزام الصمت!.
.
.
لعلِّي أجمِّل الأمور ، فلم أعد أذكر التفاصيل؛ إلا أني أّذكر المشاعر التي اجتاحتني ، والمذاق الذي خلفته لدي تلك الحادثة ، لا مرارة على الإطلاق! فالرحيل عن الوطن هو سُنة الحياة ، وأحياناً تفرضه الأحداث؛ وإلا فيجب أن نخترع له عذراً ، لقد ولدت على كوكب ، لا في بلد ، أجل بالطبع!، ولدتُ أيضاً في بلد!، في مدينة!، في طائفة !، في أسرة!، في حضانة!، في فراش .....! ولكن المهم عندي وعند جميع البشر على السواء ، أنني جئت إلى هذا العالم .
إلى هذا العالم !فالولادة هي المجيء إلى العالم ، لا إلى هذا البلد أو ذاك ، لا إلى هذا البيت أو ذاك . وهذا الأمر لم يستطع خالد أن يفهمه أبداً . كان على استعداد للتسليم بأن على المرء الابتعاد لبعض الوقت عن بلدهِ الأم بحثاً عن الأمان حيث تستعر الحرب. أما أن يرغب بالعيش سنة تلو الأخرى في بلد غريب ، متخفياً في حاضرة مترامية الأطراف ، فلم يكن ذلك بالنسبة إليه تخلياً عن الأرض فحسب بل إهانة للأجداد ، وتشويهاً للروح نوعاً ما .
لم أكن عن متابعة كل ما يجري في البلد عن كثب ، إلا أني أقلعت نهائياً عن التفكير في العودة غليه، لم أكن أقول أبداً :((لن أعود إليه))؛ بل كنت أقول :((فيما بعد))،((ليس هذا الصيف ))،((ربما السنة القادمة)) ، وفي أعماقي ، كنت أعلِّل النفس؛ بشيء من الخيلاء ، بألا أعود للإستقرار في البلد إلا حين يعود كما عهدته من قبل ، كنت أدري أن هذا الأمر مستحيل ، ولكن هذا الشرط لم يكن قابلاً للمساومة ، ولا يزال كذلك .
.
.
وأدرك أصدقائي مع مرور الوقت بأني لن أعود . وكتب لي بعضهم ، منهم لاستصواب قراري، ومنهم لأسماعي المواعظ .
...
.
.
.
.اللهمّ الطفْ بهم وجنّبهم الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن ، وصُنْ دماء أهلهم ، وأنعمْ عليهم بأمنِك وأمانِك .
.
اللحظةُ للحظة، والذكرى للذكرى؛ لِتنال اللحظةُ حقِّها ، وتُعطى الذكرى حَجْمَها ... يتبع ^^
-ملحوظة :
(خالد) .. اتخذته اسماً فقط ، هو ليس شخصاً معيناً ..
دَوحُ الجَنّة ~
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق